بين التشهير والحقيقة: الدبلوماسية اللبنانية في الزمن الصعب
18 تشرين الأول 2025
إن لم تستحِ ف”اكتب” ما شئت…
في زمنٍ طغت فيه الضوضاء على الحقيقة وتحوّل بعض الصحافة فيه من منبرٍ للكلمة الحرّة إلى بوق لتصفية الحسابات السياسيّة، أطلّت علينا إحدى الصحف اللبنانية بمقالٍ أقلّ ما يقال فيه بأنه تشويه متعمّد لسمعة الدبلوماسيّة اللبنانية في العالم، وتحديداً في العاصمة الكنديّة أوتاوا.
المقال، المتدثّر بالغيرة على مصالح الجالية، يوجّه اتهامات غير مسنودة بالتقصير إلى السفارة اللبنانية ملمّحاً في الوقت عينه إلى خلفيّات سياسيّة وراء هذا القصور وعاكساً مماحكات بيروت على عالم الانتشار اللبنانيّ.
في لبنان، السياسة ليست اختلافاً في الرأي بل صدامات تصل الى مرتبة الحرب الباردة، فيصبح كل مقالٍ رصاصة تُطلق في معركةٍ إعلاميةٍ لا تعرف الرحمة. ولأنّ أسهل الطرق لضرب صورة الدولة والفصل بين المقيم والمغترب، يبقى النيل من ممثّليها في الخارج، وُضِعت السفارة في أوتاوا في مرمى الاتهام.
لا داعي للمرء ان يسائل عن “حصين كلّ ركب” فجهينة عندها الخبر اليقين. أغلب الصحف في لبنان، كما يعلم القاصي والداني، تحولت من سلطة رابعة تبحث عن الوقائع الى مرايا تعكس صراع المحاور والمصالح. فصحّ القول البلديّ “حكي جرايد”.
أبناء الجالية اللبنانيّة في كندا، الذين يعرفون الواقع أكثر من بعض مدبّجي المقالات من خلف بحار سبعة، شعروا بالاشمئزاز من مزاعم لا تمتّ إلى الحقيقة بصلة. فالسفير بشير طوق، وهو المقصود كما يبدو من وراء هذه الحملة، لم يستلم مركزه. وهو بعد لن يكون سوى امتداد لمسارٍ دبلوماسيٍّ مهنيٍّ راسخ وعمل جبّار نجح فيه السفير السابق فادي زيادة بابعاد السفارة عن الصغارات السياسيّة التي تتحكّم بأكثر من مفصل في الإدارة اللبنانية. أما المرحلة الانتقاليّة، التي لا تفتأ الجالية عن الإشادة بها، فيديرها الطاقم الدبلوماسيّ، وخاصة القنصل علي ديراني، بحكمةٍ واتزان رغم الظروف الاستثنائية الصعبة. صعوبات ومعوقات على الصعيد الإداري والإنساني والاجتماعي حتى ليصح في عمل الدبلوماسيين قول عليّ بن ابي طالب “الصبر صبران: صبرٌ على ما تكره، وصبرٌ عمّا تحب.”
فالممثليّات اللبنانية في كندا، من هاليفاكس شرقاً الى فانكوفر غرباً مروراً بمونتريال وتورونتو، تواصل عملها في ظروفٍ تفوق قدرة البشر على التحمّل والاستمرار. فهي ترزح تحت وطأة الأزمة المالية الخانقة التي تضرب لبنان، وتعاني مع الإدارة اللبنانية من انعكاساتها يومياًّ. فهل من المنصف تحميل هذه البعثات وزر بعض تاخير في إنجاز معاملات في وقت ترزح الإدارة المركزيّة في بيروت تحت شلل شبه تامّ، ويعجز موظّفوها عن العمل بسبب رواتب لا تغطي كلفة الانتقال إلى مكاتبهم، مع انقطاع شبه دائم للكهرباء يُعطّل الأنظمة والأجهزة. فبعيداً عن التنظير، من وراء المكاتب، لم تعمل السفارات يوماً كجُزُر معزولة في الفضاء، بل امتداد عضويّ مصغرة عن هيكليّة دولة وصل الانهاك بها حدّ الانهيار.
أمّا الحديث عن تأثيرٍ انتخابيٍّ محتمل فمردود على أصحابه ممن ينظرون الى المغتربين كبقرة حلوب تستحضر وقت الحاجة وتبعد عن الصورة في باقي الأوقات. فالهدف الأساسيّ من هكذا مقالات، والذي يعرفه القاصي والداني، ليس سوى محاولةٍ لزرع الشقاق بين السفارة وجاليتها. لكن اللبنانيّين في كندا، على تنوّع انتماءاتهم، واعون لهكذا الاعيب صبيانيّة. فهم مارسوا حقّهم الانتخابيّ سابقاً رغم فوضى النظام الانتخابيّ في بيروت وسيناضلون في سبيل الاستمرار في ممارسة هذا الحق ولو كره الكارهون ممّن كانوا أصلاً السبب في اغترابهم أو اغتراب أهلهم من قبلهم. فالجالية في كندا تعودت على تسمية الأمور باسمائها وهاجسها الدائم ان تضيء شمعة بدل أن تلعن الظلام.
بالنهاية وكما يقال باللبنانيّ الدارج “الشمس طالعه والناس قاشعه.” أمّا كاتبوا هكذا مقالات على تنوّعهم فهم مطالبون بان يتّقوا الله في هذا الوطن، مقيماً ومغترباًً، إذا حسنت النوايا، والتثبّت من مصادر الأخبار قبل نشرها عملاً بالحديث الشريف: إن جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا…




